ثمن مصالحة الأشقاء العرب ومكافأة ترامب

57
ثمن مصالحة "الأشقاء" العرب ومكافأة آل "كوشنر"

هذا المقال المتعلق بالقضية القطرية والحراك ضدها من قبل السعودية والامارات ومشاكل عائلة ترامب “آل كوشنر” المالية المرتبطة بهذه الدول والذي كتبه ونشره الإعلامي السوري “فلاح الياس” عبر صفحته على الفيس بوك.

المخابرات الأمريكية وجدت الصينيين والخليجيين يتحايلون على جهله بالسياسة وحاجته للمال ليسدد دَينا كبيرا عليه، فخافت من حاجته وفلتان لسانه واجتماعاته مع الخليجيين دون الإبلاغ عنها.

ناطحة سحاب في نيويورك، ارتفاعها 41 طابقا، وعمرها 51 عاما، مالكها لعب دورا محوريا في فرض الحصار الجوي والبري والبحري على قطر ومقاطعتها من شقيقاتها الأربع: السعودية والإمارات، ومعهما: البحرين ومصر، في يوم واحد، يتزامن مع الذكرى الخمسين للهزيمة العربية الأليمة: الخامس من يونيو حزيران 2017.

عنوان المبنى بالتحديد: رقم 666، الجادة الخامسة، ما بين شارعي 52 و 53 بوسط جزيرة مانهاتن في قلب مدينة نيويورك.

ترامب

هذا المبنى اشتراه، باسم شركات عائلته، جارد كوشنر،عام 2007 ليكون رمزا لمكانتهم في عالم العقارات والمقاولات. الشاب جارد، كان قد بدأ يتولى إدارة شركات مقاولات والده الذي قضى عامين في السجن، للتهرب الضريبي، وابتزاز زوج أخته (أي عمة جارد) بتصويره فيديو مع داعرة استأجرها الأب تشارلز ليري أخته خيانة زوجها كما خانه بالشهادة عليه للمحققين في تهربه الضريبي. لكن ترمب عفا رئاسيا الشهر الماضي عن الأب.

جارد كان عمره وقتها 26 عاما.. حين اشترى المبنى ليكون جوهرة عقاراتهم.. ولكن في توقيت قاتل، حيث كانت أسعار وسوق العقارات وقتها قد بلغت الذروة، فدفع أغلى سعر لأي عقار في تاريخ نيويورك، وهو 1.8 مليار دولار.. وكان مطمئنا لازدياد الأسعار وأنه سيجذب الكثير من المستأجرين للمكاتب والشقق الفاخرة، إذ يكفي أن 75 ألف قدم مستأجرة مكاتب بالفعل عنده من مؤسسة مصرفية واحدة في المبنى هي Citi-group أخذت عائلة كوشنر قرضا عقاريا لتكملة شراء المبنى، وهو قرض بقيمة مليار ومائتي مليون دولار، وجمّعوا الـ600 مليون دولار المتبقية من مدخرات واستثمارات وقروض على عقارات أخرى لهم.

كان الشاب وقتها، منتميا كوالده للحزب الديمقراطي، مثلما كان متدينا، ولكن بشكل عصري، لديانة والديه من اليهود الأرثوذكس الذين لايتزوجون إلا من يهود مثلهم. لكن جارد تعرّف على وأحب، قبل تلك الصفقة بعامين، فتاة اسمها إيفانكا في نفس عمره، لكنها كانت مسيحية بروتستانتية، مثل والديها دونالد و إيفانا ترمب.

لم يسعد الأب تشارلز كوشنر بخطبة ابنه من إيفانكا في عام الصفقة.. مشترطا منه ليتزوجها أن تصبح يهودية، على الأقل، وهم في أمريكا، رغم أن المجلس الرِبّي لليهود الأرثوذكس في إسرائيل لن يعترف هناك بالزيجة، طالما أن أم الزوجة (أو الزوج) ليست يهودية بالمثل.

وبالتالي، تأخر الارتباط لعامين آخرين، وانفصلا ثلاثة أشهر، ثم عادت إيفانكا إلى جارد عام 2009 بقبول اعتناق اليهودية، ليتأكد الأب من مدى تمسكها بابنه، وتم الزواج على يد حاخام في نيويورك بعد أن اختبر الفتاة في تعاليم الدين واعتكاف السبت، ومعرفة بعض العِبرية.

وعن نفسه، ترك جارد الحزب الديمقراطي ولكن ظل مستقلا حتى 2018 حين تحول على مضض للحزب الجمهوري.

غير أن الأمور المالية لم تأت بما تشتهي عائلة كوشنر مثل الأمور العائلية. فقبل نهاية السنة التي اشتروا فيها العقار الضخم 666 أبلغهم أكبر مستأجر لديهم (Citigroup) بأنه لن يجدد عقده وسيترك المبنى، بينما لم يكونوا قد أجرّوا به سوى الثلث، ولا يكفي حتى النصف لدفع أقساط وفوائد القرض الضخم.

وبحلول العام التالي، انهارت سوق العقارات، لدرجة أنهم حين حاولوا إعادة جدولة الدين في عام 2010. قيّم المثمّنون المبنى كله بمبلغ 820 مليون دولار، أي أقل من نصف الثمن الذي اشتروه به (1.8 مليار) وأقل من القرض المصرفي المستحق عليهم (1.2 مليار).

اضطر جارد في عام 2011 لبيع حق تأجير 49% من العقار لشركة فورنادو، مقابل 500 مليون دولار لتلافي الانهيار المالي.

المستثمر الخليجي يدخل على الخط

في يونيو 2015، أعلن والد زوجة جارد، أي حَماه دونالد ترمب الترشح عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية.. وسرعان ما ظهر مستثمر عربي يعرض على جارد ووالده تشارلز كوشنر، شراء نصيب كبير في مبنى 666. وبالفعل أخذا يتفاوضان للعام التالي، وبمجرد فوز دونالد في نوفمبر 2016، عقد المستثمر العربي اجتماعه الحاسم والأخير في ديسمبر مع جارد، في مبنى حماه ترمب في نيويورك، وعرض ضخ 500 مليون دولار لكن بشرط أن تكون مضمونة برهن ممتلكات أخرى لهم. وهو ما أفشل الصفقة، تاركا عائلة كوشنر حانقين على هذا المستثمر الشاطر، الذي لم يكن سوى HBJ المعروف بالأحرف الاولى لإسمه الثلاثي: حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر الأسبق، باعتباره وقتها المسئول عن إدارة استثمارات صندوق قطر السيادي بقيمة 250 مليار دولار.

وهنا دخلت السعودية والإمارات على الخط.

جاء دور السعودية والإمارات

قبل أسبوع من انتخاب ترمب وفوزه، كان جارد كوشنر قد رتب لقاء لعمّه ترامب مع الأمير السعودي الشاب محمد بن سلمان، وزير الدفاع وقتها، وتم اللقاء بتكتم في منزل المرشح الجمهوري ترمب. وبعد فوزه بأسبوعين، أرسل بن سلمان وفدا إلى الولايات المتحدة لتقييم الوضع والترتيب مع الفريق الانتقالي الجديد. فيما تولى صديقه الجديد جارد كوشنر عقب انتقال ترمب للبيت الأبيض في يناير 2017 منصب كبير مستشاري الرئيس، واضطُر للاستقالة من رئاسة مجلس إدارة شركات كوشنر، وباع بعض أسهمه في مبنى 666 ووضع الجانب الأكبر من أمواله في صندوق استثماري “محجوب”، بمعنى أنه يُفترض ألا يعرف صاحبه كمسؤول عند تولي المنصب في أي قطاعات يُستثمر، حتى لا تؤثر على قراراته في الحكومة. لكن والدة جارد هي التي كانت تشرف على الصندوق!

وازدادت اتصالات ومكالمات “بن كوشنر” مع بن سلمان دون أن يبلغ عنها أو مضمونها لمجلس الأمن القومي الأمريكي، الأمر الذي أزعج مستشار الأمن القومي آنذاك مكماستر، ووزير الخارجية ركس تليرسون، وحذرا من أن أسرار الدولة معرضة للتسريب والخطر.

في فبراير 2017 قررت وكالة المخابرات المركزية مع أجهزة الأمن القومي، تخفيض درجة السرية المسموحة لجارد كوشنر وعدم إطلاعه على المعلومات المصنفة “سري للغاية” بعد أن رصدوا محادثات له وعنه تظهر أن دولا تنوي استخدامه، وأولها إسرائيل والسعودية والصين والمكسيك.

في مارس 2017، شكا نائب ديمقراطي بالكونغرس أن كوشنر تفاوض مع مستثمرين صينيين للاستثمار في مبنى 666 لعائلته بنيويورك.. فتوقفت المفاوضات.

في مارس 2017 كان جارد قد بدأ يبحث -بتوصية من صديقه الآخر يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن- بأحقية الأمير محمد بن سلمان الذي كان وزير للدفاع، واعتبرته وساطة أبوظبي ومصادر أخرى في واشنطن صقرا ساهم في قطع العلاقات السعودية مع إيران في يونيو 2016 بعد ستة أشهر فقط من توليه منصبه وتولي والده الحكم في البلاد. وبالتالي، نسبوا إلى جارد كوشنر نصيحة حماه ترمب بتفضيل الشاب بن سلمان (31 سنة وقتها) على محمد بن نايف (58 سنة) وزير الداخلية وولي العهد آنذاك.

وتمكن جارد من تدبير لقاء آخر لصديقه محمد، حيث كانا يخاطبان بعضهما بالاسم الأأول، ولكن بشكل رسمي في البيت الأبيض مع الرئيس ترمب، على مأدبة غداء مستغلا هذا الموعد الشاغر على جدول الرئيس مع مستشارة ألمانيا ميركل التي حالت عاصفة ثلجية دون حضورها.

في أبريل 2017 عاد القطريون للتفاوض على مبنى 666 لإرضاء كوشنر بعد أن ضايقوه في ديسمبر، وأدركوا أن حمد بن جاسم أضاع الفرصة السياسية.

وصل نيويورك وفد على رأسه وزير المالية القطري علي شريف العمادي (خريج جامعة اريزونا) واجتمع مع الأب تشارلز كوشنر، وعرض الاستثمار في المبنى بشروط مالية أيسر وأفضل. لكن كوشنر طلب ضعف ما وافقوا عليه من قبل، وتشدد في مطالبه.

القطريون فكروا مرة أخرى بعقلية مالية وليس سياسية بحتة، ففشلت المفاوضات، غير مدركين للعلاقات الوثيقة بين جارد بن كوشنر ومحمد بن سلمان. وأنكرت شركة كوشنر في البداية حدوث الاجتماع مع القطريين ثم عادت بعد ذلك واعترفت بحدوثه، وزعم الأب أنه اضطر ذوقيا لمقابلة الوزير القطري، لكنه رفض عرضهم الذي كان سيأتي من الصندوق الاستثماري السيادي، مما قد يثير تعارض مصلحة لابنه في منصبه السياسي، ولولا المبادئ لقبض الثمن المعروض على الطاولة وفك ضائقتهم المالية.

الانتقام والتمكين

مايو 2017 رتب جارد كوشنر الزيارة الخارجية الأولى لحماه الرئيس في مايو 2017 لتكون السعودية محطته الأولى في المنطقة، رغم اعتراض وتحفظات وزير خارجيته تيلرسون، ورتب مع صديقه محمد بن سلمان، الذي كان يخطط للإطاحة بابن عمه محمد بن نايف من ولاية العهد في الشهر التالي، وشهدت الزيارة حفاوة بدونالد ترمب بشكل أبهره وسلطنه، بما في ذلك تجهيز كرسي غال جدا، أشبه بكرسي العرش، للجلوس عليه!

في عشرين مايو 2017 أكدت مصادر وتحقيقات في الكونغرس أن كوشنر حضر عشاء في الرياض، أنكره لاحقا، أثناء حضور ترمب القمة العربية الإسلامية، مع كل من محمد بن سلمان ( الذي أطاح بعد شهر بالتحديد بابن عمه ولي العهد محمد بن نايف) وبحضور ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الداعم لابن سلمان.

جلسة استماع في الكونجرس سألت وزيرة الخارجية الأمريكي وقتها ركس تيلرسون، الذي أطاح به ترمب، عن الاجتماع، فقال إنه علم به لاحقا، وأعرب عن ضيقه لتغييبه، بينما حضره مع كوشنر، كبير مخططي ترمب وقتها ستيف بانون.

هذا الاجتماع، خطط لقرار الحصار وقطع علاقات السعودية والإمارات، الحاضرتين، وبالتبعية البحرين ومصر، الغائبتين، وهو ماتم بعد أسبوعين يوم الخامس من يونيو 2017. ثم تلاه الإطاحة بمحمد بن نايف، ليتولى العهد، صديق جارد.

فكيف تصرف وزيرا الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع ماتيس حين كانا آخر من يعرف؟ وكيف تطور الحصار حتى نهايته؟

بعد أسبوعين من زيارة ترمب للسعودية، كأول بلد يزوره في أول جولة رئاسية، رغم تحفظ وزير خارجيته تيلرسون، الذي أعرب لاحقا للكونغرس عن استيائه أيضا من استبعاده من لقاء عشاء حاسم في الرياض يوم 20 مايو بين كوشنر وستيف بانون ومعهما المحمدان بن سلمان وبن زايد، تم تنفيذ الخطة يوم 5 يونيو2017 بتنسيق وقرار جماعي للدول المتحالفة الأربع: السعودية ومعها البحرين، والإمارات ومعها مصر بقطع العلاقات مع قطر وحصارها بريا وبحريا وجويا، لاتهامها بدعم الإرهاب وتمويل التنظيمات والجماعات الإسلامية المتطرفة، وتفويض دول المنطقة لعزل إيران.

جاء الخبر مفاجئا لوزير الخارجية والدفاع الأمريكيين، لأنهما كانا آخر من يعلم.. ودعا كل منهما الأطراف المعنية إلى التهدئة وضبط النفس. لكن ترمب كتب في اليوم التالي تغريدة تظهر تفهمه وعدم اعتراضه على ما حدث مع قطر، موضحا أن القمة العربية الإسلامية التي حضرها مؤخرا في الرياض كانت واضحة في ضرورة وقف دعم الأيديولوجيا الراديكالية، وهم يلفتون نظر قطر لضرورة الالتزام بذلك.

أعرب تيلرسون وكذلك وزير الدفاع ماتيس عن القلق على أي تحركات سعودية ضد قطر، ووضع القوات الأمريكية العشرة آلاف في قاعدة العديد بقطر والقيادة الوسطى الأمريكية فيها، وحاولا استيعاب الوضع دون جدوى. وهو ما أدركه تيلرسون بعد عزله من ترمب حيث أبلغ الكونغرس بعد عامين من الحادث أنه بدون إشارة خضراء من أمريكا، لم تكن هذه الدول لتجرؤ على مافعلت ضد قطر.

حتى الفلسطينيين

وفي مذكراته لاحقا، كتب تيلرسون كيف أن كوشنر ونتنياهو قدما أمامه شريطا لترمب لتصريحات محمود عباس، ممنتجة بشكل واضح، لإقناع ترمب بقطع العلاقة مع السلطة الفلسطينية، وإهانة أبو مازن في لقائه معه، رغم اعتراض تيلرسون على هذا التلفيق.. وما يفعله كوشنر. لذا، أدرك مَن أعطى الرسالة لحصار قطر.

يوم 9 يونيو 2017، دون معرفته بعد مَن كان وراء حصار قطر، أصدر تيلرسون بيانا من الخارجية الأمريكية، يقول إنه تشاور بشأنه هاتفيا مع الرئيس ترمب، طالب فيه الوزير بفك الحصار عن قطر، نظرا لدواع إنسانية، ونقص مواد الغذاء (باعتبار أن قطر كانت تعتمد في اغلب إمداداتها الغذائية على منفذ سلوى البري مع السعودية) كما أشار الوزير الأمريكي إلى تفريق العائلات “في شهر رمضان الكريم”، ثم أكد على إضرار هذه الإجراءات بالمصالح الامريكية التجارية وكذلك ترتيباتها الأمنية بالمنطقة وتحرك قواتها العسكرية.

المفاجأة، أنه بعد ساعة واحدة من بيان وزير خارجيته، كتب الرئيس الامريكي تغريدتين يقول فيهما:

إن دولة قطر ظلت للأسف هي الممول تاريخيا للإرهاب على أعلى مستوياتها، وفي أعقاب المؤتمر الاخير، تحدثت معي العديد من الدول مطالبة بالتصدي لما تفعله قطر..

وقررت مع وزير الخارجية تيلرسون، وجنرالاتنا العظام والعسكريين، أن الوقت قد حان لإنهاء تمويل قطر للأيديولوجيا المتطرفة.

ما أدركه تيلرسون لاحقا، وقاله لمقربين منه، إن ما كتبه ترمب نصيا قد وصله من كوشنر، وكتبه وأرسله له صديقه يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن،

التعارف بين العتيبة وكوشنر حدث في مايو 2016، حين قدمه المقاول ورجل الأعمال توم باراك الذي أشرف على حفل تنصيب ترمب. ووصف كوشنر ليوسف في رسالة تسربت بعدها لموقع بوليتيكو: “ستُحِب هذا الرجل وهو متفق مع أجندتنا.” ويبدو أن القطريين توصلوا أيضا عبر القرصنة الالكترونية، قبل الإمارات، لرسائل العتيبة المتبادلة مع كوشنر وزادت كثافتها منذ دخول جارد البيت الأبيض مستشارا لشؤون الشرق الأوسط.

17 أغسطس 2017: عزل ستيف بانون كبير مخططي ترمب في البيت الأبيض، تاركا كوشنر وحده، ومعه زوجته إيفانكا ترمب، لتزداد سيطرته على صنع القرار الرئاسي.

24 أغسطس2017: تعيد قطر كل علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وتعتمد على أجوائها كمنفذ للطيران القطري المحاصر، وهو ما جعلها تدفع مقابله مائة مليون دولار سنويا.

أواخر أكتوبر 2017: رحلة مفاجئة لجارد كوشنر إلى الرياض بطائرة ركاب عادية، ولم يعلن عن الرحلة إلا بعد وصوله، ولم يعلن عن مضمون لقاءاته المغلقة مع صديقه محمد بن سلمان، الذي أصبح ولي العهد منذ تخلص من ابن عمه محمد بن نايف، باعتقاله منزليا، بعد أسبوعين من بدء حصار قطر في يونيو من نفس العام. ولم يبلغ كوشنر وزارة الخارجية عن اتصالاته الخارجية وقتها، كالعادة.

ولكن بعد أيام قليلة

في الأسبوع الاول من نوفمبر 2017 تخلص بن سلمان من المنافس القوي الآخر له، وكان مرشحا لولاية العهد بعد بن نايف، وهو الأمير متعب ابن الملك عبدالله، فتم تجريده من منصب قيادة الحرس الوطني، وهي قوة التهديد الأخيرة لمنع ولاية بن سلمان. كما تم اعتقال 11 أميرا ومعهم عشرات من رجال الأعمال السعوديين في فندق رتز كارلتون، بحجة مكافحة الفساد وتجريدهم من الكثير من أموالهم، وتقليص نفوذهم، خصوصا أن أحد أبرز الذين تم التنكيل بهم، كان خصما لعائلتي ترمب وكوشنر، إنه الوليد.

الوليد بن طلال هو صاحب الاستثمارات التي شملت Citigroup وذكرنا أنها كانت أكبر مستأجر في عقار 666 بالشارع الخامس في نيويورك، وفد خرجت منه Citigroup ولم تجدد العقد مع عائلة كوشنر التي اشترت العقار المنحوس، الأمر الذي زاد من ضائقتها المالية..

كما أن الوليد الذي أنقذ ترمب مرتين في عقارات فاشلة اشتراها المقاول دونالد، ومنها ترمب بلازا في نيويورك، قد انقلب على ترمب حين أعلن الأخير عام 2015 سعيه الترشح عن الحزب الجمهوري للرئاسة، وجعل من شعارات حملته العنصرية، منع دخول المسلمين إلى أمريكا. فكتب بن طلال هذه التغريدة، ردا على دعوة ترمب، يقول له فيها:

نت عار، ليس فقط على الحزب الجمهوري، بل على كل أمريكا. انسحب من السباق الرئاسي الأمريكي، فأنت لن تفوز أبدا.

فرد عليه ترمب بعد ساعات من اليوم نفسه 11 ديسمبر 2015 بتغريدة:

المسطول الأمير الوليد بن طلال يود أن يتحكم في سياسيينا الأمريكيين بأموال باباه (دادي). ولن تتمكن من ذلك حين أفوز.

وبالفعل، كانت شماتة عائلة ترمب وكوشنر كبيرة فيما حدث للوليد بن طلال على يد ابن عمه الصغير، بعد أيام من زيارة كوشنر المفاجئة لصديقه في الرياض ولي العهد الجديد.

قطر تعود لعقارات كوشنر

نوفمبر 2017، مالا يُدرك كله لايُترك جله.. وجد القطريون عقارا لعائلة كوشنر يحتاج تمويلا وقرضا ليس في نيويورك هذه المرة ولكن في شيكاغو، وبالفعل تقدمت شركة Apollo العالمية لقروض العقارات، التي تملك قطر نصيب الأسد في أموالها، بقرض عقاري لمبنى كوشنر هناك بلغت قيمته 184 مليون دولار، وبشروط ميسرة، وسط دهشة المحللين الماليين الذين وجدوا قيمة القرض ثلاثة أضعاف متوسط أغلب قروض شركة أبوللو!

وهو ما اعترض عليه لاحقا، المكتب الحكومي للأخلاقيات حين اعتبر في الصفقة تعارضا في المصلحة، كما أثار مع كوشنر مشكلة أخرى هي تلقي عائلته قرضا آخر في ربيع نفس العام من مصرف Citibank بقيمة 325 مليون دولار، بعد أيام من حضور مدير البنك مايكل كوريات إلى البيت الأبيض لاجتماع بشأن موضوع مختلف مع جارد كوشنر.

لكن محامي جارد يرد دائما على اتهامات الصحافة بأن مستشار الرئيس وزوجته إيفانكا لم تعد لهما سيطرة على استثماراتهما الخاصة بمجرد توليهما المنصب العام، وتم وضع ثروتهما المقدرة بـ800 مليون دولار في صندوق استثماري “أعمى” لا يعرفون كيف يّستثمر. لكن في الواقع، والدة جارد كوشنر تعرفه وتديره لصالح ابنها، الذي رفض الحصول على مرتب من عمله في البيت الأبيض لصالح الوطن.

17 ديسمبر 2017: أرسل عدد من نواب الكونغرس الديمقراطيين خطابا إلى كوشنر يستفسرون عن الدول الأجنبية التي يتصل بها للحصول على استثمارات وقروض للعقار 666 في نيويورك، وكذلك طبيعة مباحثاته مع السعوديين في زيارة أكتوبر الخاطفة للرياض. لكنه لم يلتفت إليهم.

كان القطريون قد كثّفوا من وساطاتهم في واشنطن وجماعات الضغط لإثارة الديمقراطيين ضد ممارسات وتحالف كوشنر مع السعوديين والإماراتيين، مستفيدين أو نافخين في نار الديمقراطيين المحتجين على القصف السعودي الإماراتي للمدنيين في اليمن.

لكن رسميا، وحتى لايخسروا كوشنر، صرح قطريون لشبكة NBC الأمريكية أن مساعدين للمحقق الأمريكي مولر في ممارسات واتصالات ترمب طلبوا منهم في يناير وفبراير 2018 أن يشهدوا ضده بما لديهم من معلومات.. فرفضوا.

في فبراير 2018 أكدت واشنطن بوست أن أجهزة الأمن القومي الأمريكية قررت تخفيض درجة السرية المسموحة لكوشنر من “سري للغاية” إلى “سري” فقط، لوجود دلائل على اتصالاته وحديثه بشكل يعرض الأمن القومي للخطر مع أجانب، ومنهم إماراتيون وصينيون. وكانت شركة اربتاج الصينية من بين التي حاولت الاستثمار في عقار عائلة كوشنر بالمثل.

لكن ترمب أعاد لزوج ابنته في مايو من نفس العام درجة السرية القصوى رغم اعتراضات تلك الأجهزة.

13 مارس 2018: ترمب يعزل ركس تيلرسون من وزارة الخارجية، وبشكل فج .. ثم يرشح صديقه، مدير المخابرات المركزية مايك بومبيو وزيرا للخارجية بعد شهر من فصل تيلرسون.

19 مارس 2018: وصول محمد بن سلمان في أول زيارة رسمية للبيت الأبيض، وليا للعهد، وفي بداية جولة في أمريكا لأسبوعين مع حملة إعلامية ضخمة لتقديمه لأمريكا على أنه الشاب الليبرالي المصلح الجديد، المستثمر حتى في تطوير الطاقة البديلة.

أبريل 2018 تميم يعرف طريقه لواشنطن: بعد أيام من نهاية جولة ابن سلمان، جاء أمير قطر تميم بن حمد إلى واشنطن، بعد عملية تمهيد واستعدادات لكسب ود ترمب والدوائر السياسية في أمريكا.

فقد أنفقت قطر في الشهور السابقة بسخاء ملايين الدولارات لفتح الأبواب المغلقة. كان أهمها، التعاقد بالملايين مع أكبر شركة وساطة سياسية في المدينة وقتها وهي شركة Brian Ballard الذي كان أكبر جامع أموال لحملة انتخاب ترمب، وله تأثيره الكبير عليه، وبالتالي، تعاقد الأتراك بالمثل مع Ballard لصد هجوم حملات الشركات التي تعمل مع الإمارات والسعودية.

وهكذا، تم الترتيب لزيارة تميم بعد ابن سلمان الذي نُقل أن ترمب حثه آنذاك على حل الأزمة مع قطر. وتم التحجج بأن المشكلة مع الإمارات وبالتالي رتب ترمب للقائين منفصلين، كان يُفترض للأول يوم 27 مارس أن يكون مع ابن زايد، لكنه طلب تأجيل اللقاء إلى ما بعد لقاء ترمب مع تميم.. وهو اللقاء الذي عقده ترمب في 10 أبريل مع أمير قطر.

لكن رغم عدم إحراز تقدم في أي مصالحة، بدأت قطر تحسن وضعها، فتعاقدت في هذه الزيارة على شراء صواريخ أمريكية بـ300 مليون دولار، وزار تميم البنتاغون، حيث التقى بوزير الدفاع جيمس ماتيس الذي كان متعاطفا منذ بداية الأزمة مع القطريين، مقدرا مساهمتهم ولو الرمزية مع قوات المارينز التي كان ماتيس يقودها في دعم الثوار الذين أطاحوا بالقذافي عام 2011. لكن ماتيس اختلف لاحقا مع ترمب فعزله بالمثل في يناير 2019.

مايو 2018: قطر والعودة للعقار 666 لإصلاح الخطأ: كشفت الصحافة الاقتصادية أن الاب تشارلز كوشنر قطع شوطا كبيرا في مفاوضات ناجحة للحصول على تمويل سخي جدا لتسديد القرض الضخم المستحق عليه لشراء عقار 666 بالشارع الخامس في نيويورك بقيمة ديون مليار وأربعمائة مليون دولار، كانت مستحقة في العام التالي، فما الصفقة؟

من بين استثمارات صندوق قطر السيادي العديدة في العقارات وشركات التمويل العقاري بأمريكا النصيب الثاني في استثمارات شركة بروكفيلد للمتلكات. أما النصيب الأكبر فهو لشركة بروكفيلد لإدارة الأصول. بالتالي، تم استخدام الشركة الأكبر غير المرتبطة مباشرة باستثمار قطري لتعرض عرضا سخيا على الأب كوشنر.. ثلث مساحة العقار المنحوس كان بدون إيجار. والباقي المستأجر لا يكفي إلا لدفع نصف المستحقات الشهرية لخدمة الدين علي كوشنر.

العرض هو دفع نحو 1.1 مليار دولار مقابل حق تأجير العقار واستخدامه لمدة 99 سنة، بعدها يعود حق تأجيره مع بقاء ملكيته لآل كوشنر.. هذا العرض السخي ظل على الطاولة في نيويورك، ولم يتم الدفع بعد.

يونيو 2018: جارد كوشنر يزور قطر ويجتمع، ومعه المبعوث الأمريكي جرينبلات، مع أمير قطر لبحث تحسين وزيادة التعاون بين البلدين، وسبل دفع عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.

أغسطس 2018 كوشنر الأب يقبض تنتهي المفاوضات مع عائلة كوشنر وتدفع شركة بروكفيلد أكثر من مليار دولار عدا ونقدا ومقدما للأب كوشنر مقابل استخدام العقار 666 لمدة تسع وتسعين سنة قادمة.

بالطبع رسميا، آل كوشنر وكذلك قطر ينفيان علاقة الأموال القطرية بشركة بروكفيلد الكبرى التي دَفعت. لكن هذا المبلغ أكبر من قيمة الإيجار المتوقعة تجاريا بنحو 300 مليون دولار، فلماذا تخسر شركة بروكفيلد هكذا في العقار المنحوس؟

نوفمبر 2018: تحصل شركة بروكفيلد على قرض حسن بقيمة 300 مليون دولار من شركة أبوللو للتمويل العقاري. نعم، هي أبوللو نفسها المملوك أغلب أسهمها لقطر، ودفعت من قبل، كما ذكرنا، 184 مليون دولار قرضا سخيا لعقار تملكه عائلة كوشنر في شيكاغو.

لم تعد لدى عائلة كوشنر أي مشكلة مالية مع القطريين، ومنذ مجيء بومبيو في أبريل 2018 وهو يطلب أيضا من السعوديين مصالحة قطر.

تبقى عقبة رفض الإمارات لذلك

ولكن حدثت عدة تطورات تبعد أجندة أبو ظبي عن الرياض بعض الشيء في رغبة المصالحة:

الإمارات تركت السعودية في مستنقع اليمن، الذي زاد النقمة عليها.

أكتوبر 2018 اغتيال جمال خاشقجي والضغط التركي القطري باستخدام الجريمة ضد ابن سلمان.

-ثم تزعّم ابن زايد تنفيذ أجندة كوشنر في السلام العربي مع إسرائيل والتطبيع الساخن بدون استرداد أو ذكر لأراض فلسطينية، وهو ما لن يقدر عليه ابن سلمان في حياة والده.

وأخيرا، فوز بايدن بالرئاسة ليجدد الحاجة الماسة لدى السعودية لترتيب أوراقها مع إدارة بايدن المتوعدة لابن سلمان. فأوقفت التحريض ضد قطر، وتجددت مساعي الوساطة الكويتية التي ما كانت لتبدأ منذ أبريل الماضي بدون تسوية حسابات قطر مع آل ترمب وآل كوشنر، ولتعود قطر بالنسبة لما تبقى من أيام إدارة ترمب إلى معسكر الصقور ضد إيران، تاركة من لم يحضروا قمة العُلا بين خيار التوقيع على المصالحة، أو تفكك التحالف الذي تعب عليه لسنوات ابن زايد، فاضطر ومن معه أن يجاري الخطوة إلى أن يقضي بايدن أمرا غير معروف بعد.


قائمة المصادر: مصدر1، مصدر2، مصدر3

Motasem Hanani
WRITTEN BY

Motasem Hanani

مطور مواقع، مصمم، ممنتج وكاتب محتوى. اسعى الى تغذية المحتوى العربي التطويري والثقافي في كل ما هو حصري ومفيد بعيداً عن النقل العشوائي والبرامج القديمه التالفة.